بينما تحتاج كل منشأة حكومية كانت أم خاصة لخطة استراتيجية (Strategic Plan) تكون لها بمثابة البوصلة التي توجهها نحو أهدافها و ترسم لها معالم الطريق نحو النجاح و التطور و النمو و تنتشلها من تصارع الأراء و تضارب القرارات و عشوائية التطبيق ، فإنها كذلك تحتاج لخطة تشغيلية تعتني بترتيب المشاريع حسب أولويات الخطة الاستراتيجية و تهتم بمعايير و آليات إدارة المشاريع بالصورة الصحيحة و الفعًالة و تركز على موائمة جهود إدارة المشاريع في أقسام و وحدات المنشأة مع بعضها و توجيهها كافة نحو تحقيق الأهداف العامة للخطة ، و لا شك بأن مكاتب إدارة المشاريع (PMO) هي خير من يقوم بهذه المهام إذا ما تم تفعيلها بصورة صحيحة فهي بمثابة ذلك القطار أو المركبة التي تساعد على نجاح المشاريع و بالتالي توصيل المنشأة نحو أهدافها الاستراتيجية بأمان في المدة المحددة للخطة. الجميع يدرك أثر الفشل في انجاز المشاريع و يعاني مرارة نتائجه ، هذا الفشل الذي تنعكس آثاره على الجهات المعنية بإدارة المشاريع كما تنعكس على حياة المستفيدين الذين صبروا بانتظار قطف ثمار تلك المشاريع بعد انجازها بشكل ناجح ، و لأن عانت مجتمعاتنا العربية من مثل هذا الفشل في كثير من مشاريع التنمية بمختلف أنواعها ، فقد عانت الدول المتقدمة قبلنا من هذا الفشل ، وفقاً لمقال جميل بعنوان "مكتب إدارة المشاريع" منشور في الموسوعة الحُرة على الإنترنت (Wikipedia) (2008) فإن 90 % من المشاريع لا تنتهي في مدتها المقدرة ، بكلفتها المقدرة ، و بجودتها المطلوبة ، و هذه النسبة تختلف بحسب حجم المشروع فكلما كان المشروع أكبر كان أكثر تعقيداً و احتمال الفشل فيه أكبر و بالتأكيد آثار الفشل فيه أشد قساوة ، هذه النتيجة المؤلمة دفعت بعض قطاعات الأعمال النامية التي تسعى للنجاح إلى البحث عن أكثر الجهات نجاحاً في إدارة المشاريع لجعلها معياراً لها (Benchmarking) تحاكيها في اسلوبها و منهجها في إدارة المشاريع ، بينما اتجهت بعض المعاهد و مراكز الأبحاث و الجامعات منذ زمن للبحث في أسباب فشل و تعثر المشاريع من جهة و في تلخيص تجارب الشركات الناجحة في منهج واحد يجمع أفضل الممارسات في كل مرحلة من مراحل حياة إدارة المشروع ، و لعل أفضل تلك المنهجيات التي نتجت منهجية المعهد الدولي لإدارة المشاريع (PMI)التي لخصها في الدليل المسمى (Project Management Body of Knowledge (PMBOK)، كما أنتج المعهد عدد اضافي من الأدلة و المنهجيات التطبيقية المساعدة في سياق إدارة المشاريع ، و وضع لها شهادات اعتماد تشترط تجاوز عدد من الامتحانات مع خبرة فعلية في إدارة المشاريع و منها شهادات (PMP) و (PgMP) و (OPM3) و غيرها ، من جهة أخرى ظهرت المنهجية البريطانية (Prince2) في السياق نفسهو تدار بواسطة (APMG) ، و في اعتقادي يغلب عليها المنهج الأكاديمي البريطاني بينما (PMBOK) و إن بدأ أمريكياً فالطابع التطبيقي يغلب عليه و قد شارك في بناءه و تحقيقه -بنسخه الأربعة- عشرات الألوف من أعضاء المعهد من كل العالم لذا يعتبر أكثر الأدلة شعبية لأفضل الممارسات (Best Practice) في مجال إدارة المشاريع. و حتى تستفيد الجهات التي تسعى للنجاح من منهجيات إدارة المشاريع و تتأكد دوماً من اتباع تلك المنهجيات فعلياً في مشاريعها و تنشر هذا الفكر بين موظفيها و تجعله ثقافة سائدة و اسلوب ممارسة تلقائي عمدت على تأسيس مكاتب إدارة المشاريع فيها لتقوم بهذا الدور ، و بهذا فإن أبسط تعريف لمكتب إدارة المشاريع أنه قسم أو إدارة مركزية في المنشأة تهدف إلى توحيد معايير إدارة المشاريع وفقاً لمنهجية معتمدة و إطار عمل موحد و تساعد كافة المعنيين بإدارة المشاريع على فهم هذه المنهجية و على اتباع تلك المعايير ، كما تساعد صُناع القرار على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد البشرية و المالية المتاحة في المنشأة ، و تعزز قدراتهم في اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها المناسب من خلال اتاحة الصورة كاملة حول (1) تدفق و سير العمل في المشاريع (2) و أية مشاكل تطرأ عليها في أي مرحلة من مراحلها (3) كما توفر مؤشرات قياس أداء (KPI) تساعد في قياس أداء تلك المشاريع و أداء الشركات التي تنفذها و كذلك موظفي المنشأة الذين يعملون عليها. هناك عدة تصنيفات و أنواع لمكاتب إدارة المشاريع بحسب الدور المنوط ، فمن البسيط الذي يكتفي بوضع المنهجية و تحديد المعايير و دعم تطبيقها ، إلى المتقدم الذي مع ما سبق يحدد مستوى القدرات لمدراء المشاريع و يديرهم بشكل مباشر للتأكد من تحقيق المنشأة لأهدافها الاستراتيجية و اختيار نوع مكتب إدارة المشاريع يعتمد على نوع المنشأة مثلاً مصنع ، أو شركة بترول ، أو تطوير عقاري ، أو جهة حكومية أو جامعة ، و كذلك على حجمها ، و ميزانيتها و عدد و مستوى الموارد البشرية المتوفرة فيها ، و هذا يتطلب دقة في دراسة هذه المنشأة بواسطة خبير أو كثر من المختصين في هذا المجال من الإدارة لتحديد النوع الأفضل من مكاتب إدارة المشاريع لها و رسم رؤيته و تحديد أهدافه و مسؤولياته و سلطاته و الموارد المطلوبة له و موقعه ضمن الهيكل التنظيمي لتلك لمنشأةو منهجية إدارة المشاريع المناسبة له. ختاماً ، قد يعتقد البعض أن الاهتمام بتأسيس مكتب إدارة مشاريع ما هو إلا إهدار لموارد المنشأة و زيادة الأعباء و المهام و هذا يؤدي إلى ضعف الإنتاج و بالتالي تقليل الأرباح ، و هذا غير صحيح فإنشاء المكتب بالتأكيد يزيد الإنتاجية و يرفع مستوى العائد على الاستثمار Return On Investment (ROI) عبر تنظيم العمل و ضبطه و فقاً لمعايير محددة و رفع مستوى الإتصال و التنسيق بين موظفي المشروع الواحد و بين مدراء المشاريع الأخرى و هذا من شأنه إعادة الاستخدام لمكونات المشاريع المتكررة بدلاً من إهدار الوقت كل مره فيها و من شأنه رفع تكامل العمل و تبادل الموارد و الخبرات ، و هذا كله يرفع جودة العمل و بالتالي يرفع مستوى رضى المستفيد و يقلل الهدر في عمليات الصيانة فيما بعد تسليم المشروع، و في ضوء ذلك أثبتت الدراسات المطبقة على بعض الجهات التي أسست مكاتب إدارة مشاريع أن العمليات تحسنت بما يقارب 28 % بينما تحسنت الاتصالات بنسبة 13%و ازدادت السيطرة على مشاكل المشاريع بما يقارب 22% ، كما ازدادت الشفافية بنسبة 30% خصوصاً مع استخدام نظام إدارة مشاريع مناسب يظهر لكل موظف مسؤولياته و مهامه و يبرز للمسؤولين مستوى أداءه و إنجازاته. ،، ودمتم بخير وسعادة.
م. محمد بن عبدالله السهلي